وقفة اعتذار .. ومراجعة
تطاولوا على قدسية مقامك يا رسول الله لأننا هُنّا عليهم وعجزنا عن حفظ قدرك.
سيدي وحبيبي وقائدي ... لطالما مرت بي الليالي أيها الحبيب، وأنا أتمنى أنا أراك في منامي! وكنت كلما عانيت لفح الهجير في صحراء حياتي، تاقت نفسي إلى شربة هنيئة من يدك الكريمة، فتستحيل فوراً هذه الصحراء إلى حدائق غنَّاء؛ لا يضيرني في ظلالها هم ولا نصب!
ولكنني اليوم أيها الرؤوف الرحيم .. عذراً.. ثم عذراً..لأنني سأعلنها اليوم بألم شديد يعتصرني حزناً: أعلن انسحابي، من تلك الأماني الكبار!
فلماذا هذا التراجع الغريب والانسحاب المخجل؟!
وأرجو من الله أن يكون هذا القرار مؤقتاً؛ وذلك من أجل وقفة واجبة، وأظنها خطوة شجاعة تأتي في وقتها؛ وذلك حتى أراجع نفسي، وأحاسبها قبل أن تُحاسب!
ولأنني أيها الحبيب، قد بحثت في جعبتي، فوجدتها متواضعة الرصيد، وزهيدة الوزن، لا تكفي ثمناً لأمنياتي الغالية، وفقيرة لا تصل إلى اليسير من المهر المطلوب لآمالي العريضة!!
مراجعات
ولما شرعت في عملية المراجعة القاسية لنفسي، تساءلت: لماذا عجزت أن أراك في منامي؟! وتذكرت المقولة الحكيمة: "همك على قدر ما أهمك، وخواطرك من جنس ما أهمك"، فعرفت أنني أنام، والخاطر مشغول بما أهمني؛ ووجدت أن ما أهمني لا يخرج عن دائرة الانشغال بالمال والولد، و...، و... فكان الجزاء من جنس العمل!
فتواضعت أحلامي، وعرفت قدر نفسي؛ لعلمي بخواطري التي كشفت سريرتي، وفضحت ما أهمني!
ثم خطوت خطوة أخرى وتشجعتُ، فتساءلت: هل كل من هم على شاكلتي يحق له أن يتطاول ليتشرف بلقائك؟!
ففتشت عمن طلب مثلما طلبنا، وتشوق إلى ما تشوقنا، وكان رجلاً في تحديد الغاية، وكان شجاعاً في الطلب عندما أتته الفرصة، فطمع فيما طمعنا فيه؛ إنه رَبِيعَةُ ابْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه ، الذي قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: ( سَلْ ). فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: ( أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ ) قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: ( فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ) (1).
فنظرت إلى نفسي؛ فوجدتها تكثر فعلاً؛ ولكن من الملذات، ومن الراحة، ومن النوم؛ فقلت لها: تطلبي الرفقة، ولا تدفعي الثمن ؟!!
إنهم يتطاولون!! وبينما كنت مشغولاً بهذه المحاسبة النفسية فوجئت بخبرٍ أدمى قلبي، وأشعل النيران بين جوانحي، وخشيت أن يصدق علينا ما رواه أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَداً. لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ ) . قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ مِنْ سَهْلٍ؟. فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَزِيدُ: ( فِيهَا فَأَقُول:ُ إِنَّهُمْ مِنِّي فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي ) (2).
أيها الحبيب ...
لقد عجزنا أن نحفظ لك قدرك وقدسية مقامك الشريف !!
لقد أساءوا إلى مقامك الشريف سيدي !!
ألهذا الحد هُنَّا عليهم؟ فلم يخفوا تطاولهم؛ بل أعلنوها في أبرز صحفهم، ونشروها على أشهر منتدياتهم ؟!
وتبعهم الآخرون وإخوانهم الذين يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون، وذلك دون رادع؛ فكرروا نشر هذه البذاءات، والإساءات إلى شخصك الكريم؛ وأنت أنت من زكاك الحق سبحانه: { وإنك لعلى خلق عظيم } (4) .
عفوية ... وعواطف طفولية!!
ولكنني وفي الزحام، واصلتُ المراجعة القاسية، وقلت: أيتها النفس لِمَ نغضب ونغضب ثم وبنفس القدر نهدأ؟!
ولِمَ لا يعيروننا اهتماماً؟!
ولا يأبهون لهذه الغضبة العفوية المؤقتة؟!
فهل درسوا نفسياتنا العاطفية الطفولية، وعرفوا مقدار سقفنا الذي لا نتجاوزه؟!
وهل وصلت بنا الغثائية، أن نزع المهابة منا، ومن صرخاتنا، فاطمأنت قلوبهم وناموا آمنين؟!
ولا ندري ماذا تخبئه لنا الأيام الحبالى بكل ما يزيد في مهانتنا وإذلالنا؟!
يا إلهي .. لقد تجاوزوا كل الحدود، وتخطوا كل الخطوط الحمراء!!
لِمَ يتطاولون؟!
ولما تفرست في نفسي، وفيمن حولي رأيت العجب العجاب!
لقد وضعتُ يدي على بعض الأسباب التي أوصلتنا لهذه الوضعية، وعندما تفكرت من هو صاحب الفضل في علمي بهذه الإساءات؟!
عرفت من خلال الأجهزة التي صنعوها لنا، ونحن ويا للعار أكثر مستهلك لها؟!
فهل أشكرهم على هذه التقنيات التي صنعوها، أم ألعنهم وقلبي يغلي من جريمتهم في حق حبيبي وعظيمي صلى الله عليه وسلم ؟!
ولما نظرت إلى القهوة اللذيذة التي بيدي؛ وجدتني قد جهزتها بفضل أجهزتهم التي ملأوا بها مطابخنا!!
فهل أشكرهم أم ألعنهم؟!
ولما تفرست في الغاضبين، وجدتهم قد رفعوا لافتات تلعنهم، وهي نفسها التي صنعوا أقمشتها في مصانعهم!! كم نحن عالة!
لقد زاغت في عيوننا منتجاتهم، وفضلناها على منتجات إخواننا وأبناء عمومتنا!
فلِمَ هذه الازدواجية؟!
ولِمَ هذا الانفصام؟!
نأكل منهم باليمين، ثم نلعنهم بالشمال؟!
لقد أصبحنا كمن يستلذ ويستطعم قيء غيره!
مرحلة القصعة!
لقد تكاثرت علينا الهموم والبلايا، وأوقعنا الأعداء في حالة صورتها تلك الترجيعات الحزينة:
رماني القوم بالأرزاء حتى ** فؤادي في غشاء من نبالِ
فصرت إذا أصابتني سهام ** تكسرت النصال على النصالِ
فهان وما أبالي بالرزايا ** لأني ما انتفعت بأن أبالي
وبلغنا وبنجاح عظيم مرحلة القصعة، وهي الحالة التي حذرتنا منها أيها الحبيب صلى الله عليه وسلم : ( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا". فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟! قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ". فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟!. قَالَ: "حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ) (3).
إنه السر الكبير: حب الدنيا بملذاتها، وبكل ما هو مستورد، وبكل ما هو مريح، حتى ولو على حساب عزتنا، ولو فيه إذلالنا؛ بل ولو من أيد لوثت مقامك الشريف يا سيدي، ويا حبيبي صلى الله عليه وسلم ، وكرهنا معها الموت؛ لأنها الساعة التي نخشى أن يكون في انتظارنا وعلى خط نهاية هذه الرحلة الطويلة الذليلة لافتة كتب عليها: (سحقاً ... سحقاً)!!
انتفاضةُ رفضٍ وتحدٍ
ولكن أيتها النفس ...لا.. لن نستمر في مسلسل ذبحنا، وإهانتنا وإذلالنا.
لذلك عليك أن تفكري في اللحظة التي قد تكون أقرب من ختم هذه الرسالة؛ فتحاسبي ويحاسب الجميع عن:
ماذا نقول لربي حين يسألنا ** عن الشريعة لم نحمي معاليها
ومن يجيب إذا قال الحبيب لنا ** أذهبتم سنتي والله محييها
إن لم نردها لدين الله عاصفة ** سيذهب العرض بعد الأرض نعطيها
لا تزال الفرصة أمامك، فإلى العمل الجاد أيتها المسكينة:
امتنعي الآن عن كل ما صنعوه، وابحثي عن البديل، وطلِّقي هذه الغثائية، واخرجي من مرحلة القصعة، وانشري أسماء منتجاتهم الملعونة، وقولوا معاً كما قال أجدادكم مع الخمر: (انتهينا ... انتهينا).
فهذا هو حق الوقت، وقضية الساعة، وأولويات العمل.
ثم ابدئي من الآن مع أحبابك، مستثمرين هذه الدفعة للمضي في طريق الطاعة لله عز وجل، والعمل بسنته صلى الله عليه وسلم ، وللنجاح في الحياة، وللتميز والإبداع في كل ما يرفعنا ويعز أمتنا، ويغيظ أعداءنا.
وتذكري أن:
"من أحسن أدب ولده، أرغم أنف عدوه".(4) والحبيب صلى الله عليه وسلم كان دوماً يؤكد على أصحابه رضي الله عنهم؛ أن يظهروا لأعدائهم من أنفسهم قوة!
فهي إذن رسالة المسلم الحق القوي!
على مفترق الطريق
وأنت الآن أيتها النفس على مفترق طرق، وأمامك خياران لا ثالث لهما:
إما أن يسامحك الحبيب صلى الله عليه وسلم ؛ فتلقينه في رؤياكِ، وتنالين العزة في الدنيا، وتستحقين شرف الشربة الهنيئة من يديه الكريمتين، وتتيهين برأسك فخراً بما قدمته في حياتك الدنيا، خاصة الدفاع عن شرفه ومقامه القدسي صلى الله عليه وسلم ؛ وسيسمع الجميع هذا الترحيب من الحبيب صلى الله عليه وسلم (مرحباً ... إخواني).
وتتذكرين بفخر البشرى التي ساقها إليك أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي ) . قَالَ: فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ؟!. قَالَ: ( أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي ) (5).
وإما الخيار الآخر؛ وهو هذا الغضب الرهيب، الذي عنوانه (سحقاً... سحقاً).
منقوول
تطاولوا على قدسية مقامك يا رسول الله لأننا هُنّا عليهم وعجزنا عن حفظ قدرك.
سيدي وحبيبي وقائدي ... لطالما مرت بي الليالي أيها الحبيب، وأنا أتمنى أنا أراك في منامي! وكنت كلما عانيت لفح الهجير في صحراء حياتي، تاقت نفسي إلى شربة هنيئة من يدك الكريمة، فتستحيل فوراً هذه الصحراء إلى حدائق غنَّاء؛ لا يضيرني في ظلالها هم ولا نصب!
ولكنني اليوم أيها الرؤوف الرحيم .. عذراً.. ثم عذراً..لأنني سأعلنها اليوم بألم شديد يعتصرني حزناً: أعلن انسحابي، من تلك الأماني الكبار!
فلماذا هذا التراجع الغريب والانسحاب المخجل؟!
وأرجو من الله أن يكون هذا القرار مؤقتاً؛ وذلك من أجل وقفة واجبة، وأظنها خطوة شجاعة تأتي في وقتها؛ وذلك حتى أراجع نفسي، وأحاسبها قبل أن تُحاسب!
ولأنني أيها الحبيب، قد بحثت في جعبتي، فوجدتها متواضعة الرصيد، وزهيدة الوزن، لا تكفي ثمناً لأمنياتي الغالية، وفقيرة لا تصل إلى اليسير من المهر المطلوب لآمالي العريضة!!
مراجعات
ولما شرعت في عملية المراجعة القاسية لنفسي، تساءلت: لماذا عجزت أن أراك في منامي؟! وتذكرت المقولة الحكيمة: "همك على قدر ما أهمك، وخواطرك من جنس ما أهمك"، فعرفت أنني أنام، والخاطر مشغول بما أهمني؛ ووجدت أن ما أهمني لا يخرج عن دائرة الانشغال بالمال والولد، و...، و... فكان الجزاء من جنس العمل!
فتواضعت أحلامي، وعرفت قدر نفسي؛ لعلمي بخواطري التي كشفت سريرتي، وفضحت ما أهمني!
ثم خطوت خطوة أخرى وتشجعتُ، فتساءلت: هل كل من هم على شاكلتي يحق له أن يتطاول ليتشرف بلقائك؟!
ففتشت عمن طلب مثلما طلبنا، وتشوق إلى ما تشوقنا، وكان رجلاً في تحديد الغاية، وكان شجاعاً في الطلب عندما أتته الفرصة، فطمع فيما طمعنا فيه؛ إنه رَبِيعَةُ ابْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه ، الذي قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: ( سَلْ ). فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: ( أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ ) قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: ( فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ) (1).
فنظرت إلى نفسي؛ فوجدتها تكثر فعلاً؛ ولكن من الملذات، ومن الراحة، ومن النوم؛ فقلت لها: تطلبي الرفقة، ولا تدفعي الثمن ؟!!
إنهم يتطاولون!! وبينما كنت مشغولاً بهذه المحاسبة النفسية فوجئت بخبرٍ أدمى قلبي، وأشعل النيران بين جوانحي، وخشيت أن يصدق علينا ما رواه أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَداً. لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ ) . قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ مِنْ سَهْلٍ؟. فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَزِيدُ: ( فِيهَا فَأَقُول:ُ إِنَّهُمْ مِنِّي فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي ) (2).
أيها الحبيب ...
لقد عجزنا أن نحفظ لك قدرك وقدسية مقامك الشريف !!
لقد أساءوا إلى مقامك الشريف سيدي !!
ألهذا الحد هُنَّا عليهم؟ فلم يخفوا تطاولهم؛ بل أعلنوها في أبرز صحفهم، ونشروها على أشهر منتدياتهم ؟!
وتبعهم الآخرون وإخوانهم الذين يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون، وذلك دون رادع؛ فكرروا نشر هذه البذاءات، والإساءات إلى شخصك الكريم؛ وأنت أنت من زكاك الحق سبحانه: { وإنك لعلى خلق عظيم } (4) .
عفوية ... وعواطف طفولية!!
ولكنني وفي الزحام، واصلتُ المراجعة القاسية، وقلت: أيتها النفس لِمَ نغضب ونغضب ثم وبنفس القدر نهدأ؟!
ولِمَ لا يعيروننا اهتماماً؟!
ولا يأبهون لهذه الغضبة العفوية المؤقتة؟!
فهل درسوا نفسياتنا العاطفية الطفولية، وعرفوا مقدار سقفنا الذي لا نتجاوزه؟!
وهل وصلت بنا الغثائية، أن نزع المهابة منا، ومن صرخاتنا، فاطمأنت قلوبهم وناموا آمنين؟!
ولا ندري ماذا تخبئه لنا الأيام الحبالى بكل ما يزيد في مهانتنا وإذلالنا؟!
يا إلهي .. لقد تجاوزوا كل الحدود، وتخطوا كل الخطوط الحمراء!!
لِمَ يتطاولون؟!
ولما تفرست في نفسي، وفيمن حولي رأيت العجب العجاب!
لقد وضعتُ يدي على بعض الأسباب التي أوصلتنا لهذه الوضعية، وعندما تفكرت من هو صاحب الفضل في علمي بهذه الإساءات؟!
عرفت من خلال الأجهزة التي صنعوها لنا، ونحن ويا للعار أكثر مستهلك لها؟!
فهل أشكرهم على هذه التقنيات التي صنعوها، أم ألعنهم وقلبي يغلي من جريمتهم في حق حبيبي وعظيمي صلى الله عليه وسلم ؟!
ولما نظرت إلى القهوة اللذيذة التي بيدي؛ وجدتني قد جهزتها بفضل أجهزتهم التي ملأوا بها مطابخنا!!
فهل أشكرهم أم ألعنهم؟!
ولما تفرست في الغاضبين، وجدتهم قد رفعوا لافتات تلعنهم، وهي نفسها التي صنعوا أقمشتها في مصانعهم!! كم نحن عالة!
لقد زاغت في عيوننا منتجاتهم، وفضلناها على منتجات إخواننا وأبناء عمومتنا!
فلِمَ هذه الازدواجية؟!
ولِمَ هذا الانفصام؟!
نأكل منهم باليمين، ثم نلعنهم بالشمال؟!
لقد أصبحنا كمن يستلذ ويستطعم قيء غيره!
مرحلة القصعة!
لقد تكاثرت علينا الهموم والبلايا، وأوقعنا الأعداء في حالة صورتها تلك الترجيعات الحزينة:
رماني القوم بالأرزاء حتى ** فؤادي في غشاء من نبالِ
فصرت إذا أصابتني سهام ** تكسرت النصال على النصالِ
فهان وما أبالي بالرزايا ** لأني ما انتفعت بأن أبالي
وبلغنا وبنجاح عظيم مرحلة القصعة، وهي الحالة التي حذرتنا منها أيها الحبيب صلى الله عليه وسلم : ( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا". فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟! قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ". فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟!. قَالَ: "حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ) (3).
إنه السر الكبير: حب الدنيا بملذاتها، وبكل ما هو مستورد، وبكل ما هو مريح، حتى ولو على حساب عزتنا، ولو فيه إذلالنا؛ بل ولو من أيد لوثت مقامك الشريف يا سيدي، ويا حبيبي صلى الله عليه وسلم ، وكرهنا معها الموت؛ لأنها الساعة التي نخشى أن يكون في انتظارنا وعلى خط نهاية هذه الرحلة الطويلة الذليلة لافتة كتب عليها: (سحقاً ... سحقاً)!!
انتفاضةُ رفضٍ وتحدٍ
ولكن أيتها النفس ...لا.. لن نستمر في مسلسل ذبحنا، وإهانتنا وإذلالنا.
لذلك عليك أن تفكري في اللحظة التي قد تكون أقرب من ختم هذه الرسالة؛ فتحاسبي ويحاسب الجميع عن:
ماذا نقول لربي حين يسألنا ** عن الشريعة لم نحمي معاليها
ومن يجيب إذا قال الحبيب لنا ** أذهبتم سنتي والله محييها
إن لم نردها لدين الله عاصفة ** سيذهب العرض بعد الأرض نعطيها
لا تزال الفرصة أمامك، فإلى العمل الجاد أيتها المسكينة:
امتنعي الآن عن كل ما صنعوه، وابحثي عن البديل، وطلِّقي هذه الغثائية، واخرجي من مرحلة القصعة، وانشري أسماء منتجاتهم الملعونة، وقولوا معاً كما قال أجدادكم مع الخمر: (انتهينا ... انتهينا).
فهذا هو حق الوقت، وقضية الساعة، وأولويات العمل.
ثم ابدئي من الآن مع أحبابك، مستثمرين هذه الدفعة للمضي في طريق الطاعة لله عز وجل، والعمل بسنته صلى الله عليه وسلم ، وللنجاح في الحياة، وللتميز والإبداع في كل ما يرفعنا ويعز أمتنا، ويغيظ أعداءنا.
وتذكري أن:
"من أحسن أدب ولده، أرغم أنف عدوه".(4) والحبيب صلى الله عليه وسلم كان دوماً يؤكد على أصحابه رضي الله عنهم؛ أن يظهروا لأعدائهم من أنفسهم قوة!
فهي إذن رسالة المسلم الحق القوي!
على مفترق الطريق
وأنت الآن أيتها النفس على مفترق طرق، وأمامك خياران لا ثالث لهما:
إما أن يسامحك الحبيب صلى الله عليه وسلم ؛ فتلقينه في رؤياكِ، وتنالين العزة في الدنيا، وتستحقين شرف الشربة الهنيئة من يديه الكريمتين، وتتيهين برأسك فخراً بما قدمته في حياتك الدنيا، خاصة الدفاع عن شرفه ومقامه القدسي صلى الله عليه وسلم ؛ وسيسمع الجميع هذا الترحيب من الحبيب صلى الله عليه وسلم (مرحباً ... إخواني).
وتتذكرين بفخر البشرى التي ساقها إليك أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي ) . قَالَ: فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ؟!. قَالَ: ( أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي ) (5).
وإما الخيار الآخر؛ وهو هذا الغضب الرهيب، الذي عنوانه (سحقاً... سحقاً).
منقوول